الحظ حليف الشجعان: نظرة تفاؤلية لعام 2019 – مهند الوادية

Fortune Favors the Brave – Optimistic in 2019

حمل عام 2018 أوقاتاً سادها الخوف والقلق بالنسبة للعديد من المستثمرين، وإن لم تكن كذلك بالنسبة للبعض، فقد كانت بكل تأكيد مرحلةً أثارت الكثير من المخاوف. لقد تعلمنا خلال عام 2018 أن العالم أمسى أكثر تعقيداً وتشابكاً مع تزايد التداخل بين الدول والثقافات والمجتمعات والعلوم والقطاعات والاقتصادات.

ومع أخذ العولمة بعين الاعتبار، شهدت مجموعة العوامل التي يمكن أن تؤثر على الاقتصادات المحلية والقطاعات والأسواق العاملة ضمنها، تزايداً كبيراً على مستوى العدد والتعقيد على حدٍ سواء.

وفي ظل حالة التغييرات الجذرية وانعدام اليقين التي تسود المشهد العالمي، فإن المكاسب والأهداف التي يمكن لصنّاع السياسات تحقيقها محدودة، إذ بات اللاعبون الدوليون الرئيسيون، الذين توافقوا سابقاً في السياسة ووجهات النظر عند التعامل مع مشاكل عالمية متفرقين، يركزون بشكل أكبر على تلبية المصالح الوطنية على حساب الصالح العالمي. وهو ما يعتبر مؤسفاً بحق، إذ نأمل أن تسود الأهداف طويلة الأمد ذات النطاقات الأوسع على مخططاتهم.

وستواصل دبي، باقتصادها المبني على دوافع رئيسية للنمو الاقتصادي والسكاني، تتمثل بقطاعات السياحة والتجارة والإنشاءات والخدمات المالية، تأثرها بالأحوال العالمية، سواء كانت سياسيةً أو دبلوماسيةً أو ماليةً أو غيرها. كما ستخضع القطاعات المحلية للتأثيرات الناجمة عن الأحداث العالمية، وهو أمر لا مفر منه وينبغي أن ندركه كمستثمرين مجتهدين.

نظرة على عام 2019

خلال عام 2019، ستساهم الأحداث التي تؤثر على نمو عدد السكان بشكل أكبر في صياغة ملامح القطاع العقاري في دبي. وستحمل جوانب كقدرة الإمارات على توفير الفرص للشركات والأفراد على حد سواء؛ مثل الدخل المتاح للإنفاق لدى المقيمين والزوار، أو الأسعار المعقولة للدرهم الإماراتي، أو مستويات السيولة المتاحة أمام المستثمرين المحليين والأجانب، أو الإيرادات الحكومية، أو العلاقات الوطيدة مع الدول الأخرى أو البنية التحتية التجارية، تأثيرات ملموسة على القطاع العقاري. وتمثل هذه الأمور حقائق يتعين على المتخصصين في القطاع التعامل معها، ولذا نحتاج لدراسة المتغيرات التي تدفع عجلة القطاع.

النمو السكاني

يعتبر النمو السكاني أول العوامل التي نراعيها. ويعتبر تزايد عدد السكان بمثابة الوقود الذي يغذي أي قطاع عقاري، وسيحمل النمو السكاني في دبي بشائر للسوق خلال السنوات الثلاث القادمة، لا سيما في ظل التوقعات التي تشير إلى حدوث طفرة في النمو السكاني مع ازدياد “تأثير معرض إكسبو 2020”.

وقد يتفاجأ البعض عند معرفة أن عدد سكان دبي يقدر بحوالي 3 ملايين نسمة، بزيادة بنسبة 134% منذ مطلع القرن. ولطالما كان هذا النمو المذهل ثابتاً في معدلاته، ومن المتوقع أن يستمر بمعدل 6.5% خلال السنوات الخمس المقبلة.

ويشكّل ذلك بشرى للقطاع العقاري بدبي، ولاقتصاد الإمارة بشكل عام، لا سيما عندما تواجه الدول الأخرى المشاكل المرتبطة بركود النمو السكاني، أو في حالة دول كاليابان، انخفاض عدد السكان. ويقصد العديد من الناس دبي باحثين عن فرص للتقدم وتحسين مستواهم الاقتصادي عبر الاستفادة من الفرص المتفوقة والاستثنائية التي ستواصل دبي تقديمها. ويعزى هذا النمو، بصورة جزئية، إلى مبادرات مثل حدث ’إكسبو 2020‘، ويضاف إلى ذلك الركائز الاقتصادية المجرّبة لقطاعات التجارة والتمويل والسياحة، ما يؤكد وجود فرص حقيقية للاستفادة من هذا النمو السكاني وانتعاش الطلب على العقارات.

المستويات المتزايدة للدخل المتاح للإنفاق

ويتمثل العامل الثاني بالدخل المتاح للإنفاق لدى المقيمين والزوار. شهد عام 2018 انخفاضاً كبيراً في قيم العقارات والإيجارات. وببساطة، يمكن لهذه التغييرات أن تتصاعد بشكل فعلي، ولا ينحصر هذا الأمر فقط بالقوة الشرائية للأفراد، بل يشمل أيضاً دخلهم المتاح للإنفاق. وقد أدى الانخفاض في قيمة العقارات، إلى جانب العدد الكبير من خطط الشراء التي طرحها مطورو العقارات، إلى إنشاء عروض قيمة لن تتكرر لبعض الوقت.

وكما يقول وارن بافِت دائماً: “السعر هو ما تدفعه، والقيمة هي ما تحصل عليه”، وستكون القيمة التي نحصل عليها خلال عام 2019 هي الأفضل على الأغلب.

الدرهم الإماراتي

يعتبر السعر المعقول للدرهم الإماراتي ثالث العوامل سنأخذها بعين الاعتبار، إذ لا شك بأن قرارات السياسة المالية التي اتخذتها الولايات المتحدة حملت تأثيراً على العديد من المشترين الأجانب. وبالنظر إلى ارتباط الدرهم الإماراتي بالدولار، فرضت زيادات أسعار الفائدة خلال الأعوام الماضية ضغطاً إضافياً في وقت كانت السوق تعاني فيه من أوضاع صعبة.

ومع ذلك، من المحتمل أن يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتشديد سياسته النقدية بصورة طفيفة هذا العام. كما ساهمت المخاوف الأخيرة التي تشهدها الأسواق العالمية حيال تأثير السياسة النقدية الأمريكية المتشددة بصورة مفرطة على الولايات المتحدة والنمو الاقتصادي العالمي في دفع مجلس الاحتياطي الأمريكي لاعتماد لهجة أكثر حذراً عند التحدث عن رفع أسعار الفائدة خلال عام 2019.

هبوط أسعار النفط

بالإضافة لما سبق، حمل الانخفاض الأخير في أسعار النفط، إلى جانب تخفيض عائدات الدول المنتجة للنفط، تأثيراً إيجابياً في مساعدة الروبية الهندية على الاستقرار، وساهم في وقف التراجع الكبير في قيمتها. فخلال أكتوبر 2018، هوت الروبية الهندية إلى أدنى مستوياتها المسجلة على الإطلاق، حيث باتت قيمة 20 روبية هندية توازي درهماً إماراتياً واحداً، ما جعل الاستثمار في دبي مكلفاً بالنسبة لواحدة من أهم مجموعات المستثمرين في دولة الإمارات. وفي نهاية المطاف، أصبح إرسال العملة من دبي إلى الهند أمراً أفضل بكثير من إنفاقها في دبي. ولكن بعد ذلك، سجلت قيمة الروبية الهندية ارتفاعاً بواقع 5% ومن المتوقع أن تستمر بالارتفاع خلال عام 2019، ما يساهم في تعزيز جاذبية الاستثمار في دبي مرةً أخرى.

وعلى نحو مماثل، يشهد كل من الاقتصاد والأسواق والعملة الصينية حالة انخفاض مستمرة منذ اشتعال فتيل المشاكل التجارية مع الولايات المتحدة. وتمثل الصين مصدراً مهماً للاستثمارات الأجنبية المباشرة في دولة الإمارات، ويمكن لاحتمالات نشوب حرب تجارية شاملة بين الصين والولايات المتحدة أن تتسبب في تباطؤ وتيرة الاستثمارات الصينية التي يتم ضخها في الدولة.

ومع ذلك، وحتى وقت كتابة هذا المقال، يبدو أن تلك التوترات تزول تدريجياً وبات من الممكن التنبؤ بانطلاق مفاوضات إيجابية ومثمرة بين الطرفين. وغني عن القول أن التوصل إلى حل لفض هذا النزاع سيحمل فوائد جمة للنمو الاقتصادي العالمي ومستويات ثقة المستثمرين ونشاطهم المتجدد.

البريكسيت

تمثل مسألة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي “البريكسيت” آخر المخاوف الحقيقية المتبقية. ويبدو أن الملحمة المستمرة تتجه نحو نتيجة ستؤدي، على المدى القصير، إلى هبوط إضافي للجنيه الاسترليني، الأمر الذي يرفع كلفة الاستثمار في دبي بالنسبة للمستثمرين الإنجليز الذين يشكلون نسبةً كبيرةً من المستثمرين في القطاع العقاري.

القطاع المصرفي الإماراتي

وفي ذات الوقت، يتمتع القطاع المصرفي الإماراتي بمستويات سيولة مرتفعة وقوة كبيرة، إذ تشير توقعات مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي إلى نمو الائتمان في القطاع الخاص بنسبة 6.5% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2019. وبالإضافة إلى ذلك، يسجل قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية نمواً بنسبة 9% على أساس سنوي، ما دفع محافظ المصرف المركزي للقول بأن “قطاع الخدمات المصرفية يتمتع بمكانة تتيح له تحقيق التفوق ودعم مسيرة النمو الاقتصادي” وأن هذا القطاع لا يخضع لتأثيرات تصحيح القيم العقارية في ظل استمرار البنوك بتوفير الائتمان للقطاع. وأضاف قائلاً: “تتمتع السوق العقارية بحالة جيدة، أكثر من أي وقت مضى، وعمليات الإقراض مستمرة”.

الإنفاق على البنية التحتية

يستمر إنفاق دبي على البنية التحتية بميزانية إجمالية تبلغ 56.8 مليار درهم إماراتي لعام 2019. وكونها تركز بشكل كبير على مشاريع البنية التحتية الخاصة بحدث ’إكسبو 2020‘، تنسجم ميزانية الإنفاق المقررة مع الأهداف والالتزامات المستقبلية لخطة دبي الاستراتيجية 2021. وتشتمل الميزانية على زيادة في الإنفاق على البنية التحتية، حيث تشكل هذه النفقات 21% من إجمالي الإنفاق الحكومي.

ويعكس هذا الأمر توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لرفع كفاءة البنية التحتية في دبي بحيث تصبح الإمارة وجهةً مفضلةً للسكان والسياح والشركات في جميع القطاعات.

ضريبة القيمة المضافة

وأخيراً، وبالرغم من بعض التضخم الذي لحق بأسعار المستهلك، لا يبدو أن المخاوف التي رافقت أي تأثير سلبي لتطبيق ضريبة القيمة المضافة خلال العام الماضي قد تحققت. ولا تمثل ضريبة القيمة المضافة ظاهرةً جديدةً، فقد تم تطبيقها في العديد من دول العالم، كما أنها تعتبر وسيلةً فعالةً وعادلةً في يد الحكومات لجمع الإيرادات الضريبية للاستثمار وابتكار وتطوير البنية التحتية وتوفير الخدمات المطلوبة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام. وتوقّع صندوق النقد الدولي أن دولة الإمارات قد تتمكن من تحسين الناتج القومي الإجمالي بواقع 1.5% من خلال تطبيق ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5%. وكانت بعض الدول قد طبقت ضريبة قيمة مضافة من 20% لتوليد العائدات المطلوبة من قبل الحكومات دون إلحاق الضرر بقطاعاتها العقارية. ومع ذلك، كان بعض المستثمرين يشعرون بالقلق حيال تطبيق الضريبة، بالرغم من أن الاقتصادات الأخرى التي طبّقتها أثبتت عدم وجود أي أساس لهذه المخاوف.

ولذلك، فإن الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد، بل على العكس تماماً. فمن خلال اعتماد منظور أوسع ودراسة جميع التأثيرات الرئيسية على حدة بصورة منطقية، فإن الصورة توحي بوجود العديد من الفرص، وخاصةً على المدى المتوسط والبعيد.

ولا شك بأن الأسواق تشهد حالةً من التوتر، ولكنني أعتقد أن عام 2019 سيعتبر بمثابة عام المستثمرين الشجعان الذين يستفيدون من سوق حققت تصحيحاً كاملاً تقريباً، وتوفر قيمةً رائعةً وتحقق جميع الفوائد الممكنة من اقتصاد يبدو مستعداً لتحقيق نمو مستدام على المدى الطويل. ربما يكون الوضع معقداً، إلا أنه ليس مبهماً على الإطلاق.

Share Your Thoughts

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *